Skip to main content

تعريف توحيد الأسماء والصفات

https://kotokoli.blogspot.com/2018/12/kotokoli-alphawa-in-whole-world.html?m=1
                        تعريف توحيد الأسماء والصفات

أولا : تعريفه :

توحيد الأسماء والصفات : هو إثبات ما أثبت الله لنفسه ، وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم ، ونفي ما نفى الله عن نفسه ، ونفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات والإقرار لله تعالى بمعانيها الصحيحة ودلالاتها واستشعار آثارها ومقتضياتها في الخلق .

ثانيًا : المنهج في إثباته :

يقوم المنهج الحق في باب الأسماء والصفات على الإيمان الكامل والتصديق الجازم بما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل .
<

والتحريف : هو التغيير وإمالة الشيء عن وجهه . وهو قسمان :

1 - تحريف لفظي: . وذلك بالزيادة في الكلمة أو النقص أو تغيير حركة في الكلمة كتحريف كلمة استوى في قوله تعالى : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } (طه : 5) إلى استولى . قال صاحب النونية :

نون اليهود ولام جهمي هما ...

                       في وحي رب العرش زائدتان

2 - تحريف معنوي: . وذلك بتفسير اللفظ على غير مراد الله ورسوله منه كمن فسر " اليد " لله تعالى بالقوة أو النعمة . فإن هذا تفسير باطل لا يدل عليه الشرع ولا اللغة .

والتعطيل : هو نفي صفات الله تعالى كمن زعم أن الله تعالى لا يتصف بصفة .

والفرق بين التحريف والتعطيل هو أن التحريف نفي المعنى الصحيح الذي دلت عليه النصوص واستبداله بمعنى آخر غير صحيح أما التعطيل فهو نفي المعنى الصحيح من غير استبدال له بمعنى آخر .

والتكييف : تعيين كيفية الصفة والهيئة التي تكون عليها كفعل بعض المنحرفين في هذا الباب الذين يكيفون صفات الله فيقولون كيفية يده : كذا وكذا ، وكيفية استوائه على هيئة كذا وكذا . فإن هذا باطل إذ لا يعلم كيفية صفات الله إلا هو وحده وأما المخلوقون فإنهم يجهلون ذلك ويعجزون عن إدراكه . <

والتمثيل : هو التشبيه كمن يقول لله سمع كسمعنا ووجه كوجوهنا تعالى الله عن ذلك .

وينتظم المنهج الحق في باب الأسماء والصفات في ثلاثة أصول من حققها سلم من الانحراف في هذا الباب . وهي :

الأصل الأول : تنزيه الله جل وعلا عن أن يشبه شيء من صفاته شيئًا من صفات المخلوقين .

ومن الأدلة على الأصل الأول : وهو تنزيه الرب عز وجل عن مشابهة المخلوقين ، قول الله تبارك وتعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } (الشورى : 11) . ومقتضى الآية نفي المماثلة بين الخالق والمخلوق من كل وجه مع إثبات السمع والبصر لله عز وجل وفي هذا إشارة إلى أن ما يثبت لله من السمع والبصر ليس كما يثبت للمخلوقين من هاتين الصفتين مع كثرة من يتصف بهما من المخلوقين . وما يقال في السمع والبصر يقال في غيرهما من الصفات . واقرأ قوله تعالى : { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } . أورد ابن كثير في تفسير الآية ما رواه البخاري في التوحيد (13 / 372) والإمام أحمد في المسند (6 / 46) عن عائشة رضي الله عنها قالت : " الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تكلمه وأنا في ناحية البيت ما أسمع فأنزل الله عز وجل { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا } . . . . إلى آخر الآية "  

<
ومن الأدلة أيضًا قول الله تعالى : { فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ } (النحل : 74) . قال الطبري في تفسير الآية : " فلا تمثلوا لله الأمثال ولا تشبهوا له الأشباه فإنه لا مثل له ولا شبه "  ... وقال تعالى : { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } (مريمَ : 65) قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها : " هل تعلم للرب مثلًا أو شبيهًا " .

ومن الأدلة لهذا الأصل : قول الله تبارك وتعالى : { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } (الإخلاص : 4) قال الطبري : " ولم يكن له شبيه ولا عدل وليس كمثله شيء " .

الأصل الثاني : الإيمان . بما سمى ووصف الله به نفسه وبما سماه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم على الوجه اللائق بجلال الله وعظمته .

ومن الأدلة على الأصل الثاني : وهو الإيمان بما جاء في الكتاب والسنة من أسماء الله وصفاته ، قول الله عز وجل : { اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } (البقرة : 255) . وقوله تعالى : { هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } (الحديد : 3) . وقوله تعالى : { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ }{ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ }{ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (الحشر : 22- 24) .

ومن السنة حديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم في صحيحه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا أخذنا مضجعنا أن نقول : « اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى ، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان أعوذ بك من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها . اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عنا الدَّيْن وأغْنِنا من الفقر » (مسلم برقم (2713)) . والنصوص في تقرير هذا الباب كثيرة تجل عن الحصر .

الأصل الثالث : قطع الطمع عن إدراك حقيقة كيفية صفات الله تعالى لأن إدراك المخلوق لذلك مستحيل .

فمن حقق هذه الأصول الثلاثة فقد حقق الإيمان الواجب في باب الأسماء والصفات على ما قرره الأئمة المحققون في هذا الباب .
<

ومن الأدلة على هذا الأصل الأصل الثالث وهو قطع الطمع عن إدراك كيفية صفات الله تبارك وتعالى...   قول الله تعالى : { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا } (طه : 110) . قال بعض أهل العلم في معنى الآية : " لا إحاطة للعلم البشري برب السماوات والأرض فينفي جنس أنواع الإحاطة عن كيفيتها " .

ومن الأدلة لهذا الأصل أيضًا قول الله تعالى : { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ } (الأنعام : 103) قال بعض العلماء في معرض حديثه عن الآية : " وهذا يدل على كمال عظمته وأنه أكبر من كل شيء ، وأنه لكمال عظمته لا يدرك بحيث يحاط به فإن الإدراك وهو الإحاطة بالشيء قدر زائد على الرؤية فالرب يرى في الآخرة ولا يدرك كما يعلم ولا يحاط بعلمه " . وينبغي للعاقل أن يعلم أن للعقل حدا يصل إليه ولا يتعداه كما أن للسمع والبصر حدا ينتهيان إليه ، فمن تكلف ما لا يمكن أن يدرك بالعقل كالتفكر في كيفية صفات الله ، فهو كالذي يتكلف أن يبصر ما وراء الجدار أو يسمع الأصوات في الأماكن البعيدة جدا عنه .

ومن شرح العقيدة الواسطية لمحمد خليل هراس:

التَّحْرِيفُ:

[أنظر: شرح العقيدة الواسطية لمحمد خليل هراس..(ص: 35 وما بعدها)]

وَالتَّحْرِيفُ: فِي الْأَصْلِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ : حَرَّفْتُ الشَّيْءَ عَنْ وَجْهِهِ حَرْفًا ؛ إِذَا أَمَلْتَهُ وَغَيَّرْتَهُ ، وَالتَّشْدِيدُ لِلْمُبَالَغَةِ  

وَتَحْرِيفُ الْكَلَامِ : إِمَالَتُهُ عَنِ الْمَعْنَى الْمُتَبَادِرِ مِنْهُ إِلَى مَعْنًى آخَرَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ إِلَّا بِاحْتِمَالٍ مَرْجُوحٍ ، فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قَرِينَةٍ تُبَيِّنُ أَنَّهُ الْمُرَادُ .

وَأَمَّا التَّعْطِيلُ: ؛ فَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْعَطَلِ ، الَّذِي هُوَ الْخُلُوُّ وَالْفَرَاغُ وَالتَّرْكُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ } ... أَيْ : أَهْمَلَهَا أَهْلُهَا ، وَتَرَكُوا وِرْدَهَا .

وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا نَفْيُ الصِّفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ ، وَإِنْكَارُ قِيَامِهَا بِذَاتِهِ تَعَالَى .

فَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّحْرِيفِ وَالتَّعْطِيلِ : أَنَّ التَّعْطِيلَ نَفْيٌ لِلْمَعْنَى الْحَقِّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، وَأَمَّا التَّحْرِيفُ ؛ فَهُوَ تَفْسِيرُ النُّصُوصِ بِالْمَعَانِي الْبَاطِلَةِ الَّتِي لَا تَدُلُّ عَلَيْهَا... وَالنِّسْبَةُ بَيْنَهُمَا الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْمُطْلَقُ ، فَإِنَّ التَّعْطِيلَ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنَ التَّحْرِيفِ ؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ كُلَّمَا وُجِدَ التَّحْرِيفُ وُجِدَ التَّعْطِيلُ دُونَ الْعَكْسِ ، وَبِذَلِكَ يُوجَدَانِ مَعًا فِيمَنْ أَثْبَتَ الْمَعْنَى الْبَاطِلَ وَنَفَى الْمَعْنَى الْحَقَّ ، وَيُوجَدُ التَّعْطِيلُ بِدُونِ التَّحْرِيفِ فِيمَنْ نَفَى الصِّفَاتِ الْوَارِدَةَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَزَعَمَ أَنَّ ظَاهِرَهَا غَيْرُ مُرَادِهَا ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ لَهَا مَعْنًى آخَرَ ، وَهُوَ مَا يُسَمُّونَهُ بِالتَّفْوِيضِ ... وَمِنَ الْخَطَأِ الْقَوْلُ بِأَنَّ هَذَا هُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ ، كَمَا نَسَبَ ذَلِكَ إِلَيْهِمُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنَ الْأَشَاعِرَةِ وَغَيْرِهِمْ ، فَإِنَّ السَّلَفَ لَمْ يَكُونُوا يُفَوِّضُونَ فِي عِلْمِ الْمَعْنَى ، وَلَا كَانُوا يَقْرَءُونَ كَلَامًا لَا يَفْهَمُونَ مَعْنَاهُ ؛ بَلْ كَانُوا يَفْهَمُونَ مَعَانِيَ النُّصُوصِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَيُثْبِتُونَهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، ثُمَّ يُفَوِّضُونَ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ كُنْهِ الصِّفَاتِ أَوْ كَيْفِيَّاتِهَا ، كَمَا قَالَ مَالِكٌ حِينَ سُئِلَ عَنْ كَيْفِيَّةِ اسْتِوَائِهِ تَعَالَى عَلَى الْعَرْشِ : ( الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ ، وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ ) .

التَّكْيِيفَ والتَّمْثِيلُ:

(وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ) فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّكْيِيفَ: أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ صِفَاتِهِ تَعَالَى عَلَى كَيْفِيَّةِ كَذَا ، أَوْ يَسْأَلُ عَنْهَا بِكَيْفَ  

وَأَمَّا التَّمْثِيلُ: ؛ فَهُوَ اعْتِقَادُ أَنَّهَا مِثْلُ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ  

وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : ( مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ ) أَنَّهُمْ يَنْفُونَ الْكَيْفَ مُطْلَقًا ؛ فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى كَيْفِيَّةٍ مَا، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ يَنْفُونَ عِلْمَهُمْ بِالْكَيْفِ ؛ إِذْ لَا يَعْلَمُ كَيْفِيَّةَ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ .

بَلْ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ .

قَوْلُهُ : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ }:

< هَذِهِ الْآيَةُ الْمُحْكَمَةُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هِيَ دُسْتُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي بَابِ الصِّفَاتِ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَمَعَ فِيهَا بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ ، فَنَفَى عَنْ نَفْسِهِ الْمِثْلَ ، وَأَثْبَتَ لِنَفْسِهِ سَمْعًا وَبَصَرًا ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ الْحَقَّ لَيْسَ هُوَ نَفْيَ الصِّفَاتِ مُطْلَقًا ، كَمَا هُوَ شَأْنُ الْمُعَطِّلَةِ ، وَلَا إِثْبَاتُهَا مُطْلَقًا كَمَا هُوَ شَأْنُ الْمُمَثِّلَةِ ؛ بَلْ إِثْبَاتُهَا بِلَا تَمْثِيلٍ .

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي إِعْرَابِ : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } عَلَى وُجُوهٍ ، أَصَحُّهَا : أَنَّ الْكَافَ صِلَةٌ زِيدَتْ لِلتَّأْكِيدِ ، كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ :

    لَيْسَ كَمِثْلِ الْفَتَى زُهَيْرٍ ... خَلْقٌ يُوَازِيهِ فِي الْفَضَائِلِ

فلَا يَنْفُونَ عَنْهُ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ ، وَلَا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ، وَلَا يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ وَآيَاتِهِ ، وَلَا يُكَيِّفُونَ وَلَا يُمَثِّلُونَ صِفَاتِهِ بِصِفَاتِ خَلْقِهِ .

وهذا...تَفْرِيعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ ؛ فَإِنَّهُمْ إِذَا كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ؛ فَلَا يَنْفُونَ وَلَا يُحَرِّفُونَ ، وَلَا يُكَيِّفُونَ وَلَا يُمَثِّلُونَ .

عَنْ مَوَاضِعِهِ : وَالْمَوَاضِعُ : جَمْعُ مَوْضِعٍ ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْمَعَانِي الَّتِي يَجِبُ تَنْزِيلُ الْكَلَامِ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُتَبَادِرَةُ مِنْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ، فَهُمْ لَا يَعْدِلُونَ بِهِ عَنْهَا .

الْإِلْحَادُ فِي أَسْمَائِهِ:

( وَلَا يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ وَآيَاتِهِ ) فَقَدْ قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( وَالْإِلْحَادُ فِي أَسْمَائِهِ هُوَ الْعُدُولُ بِهَا وَبِحَقَائِقِهَا وَمَعَانِيهَا عَنِ الْحَقِّ الثَّابِتِ لَهَا ؛ مَأْخُوذٌ مِنَ الْمَيْلِ ؛ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَادَّةُ ( ل ح د ) ، فَمِنْهُ اللَّحْدُ ، وَهُوَ الشَّقُّ فِي جَانِبِ الْقَبْرِ ، الَّذِي قَدْ مَالَ عَنِ الْوَسَطِ ، وَمِنْهُ الْمُلْحِدُ فِي الدِّينِ : الْمَائِلُ عَنِ الْحَقِّ ، الْمُدْخِلُ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ ) . اهـ  

فَالْإِلْحَادُ فِيهَا: إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِجَحْدِهَا وَإِنْكَارِهَا بِالْكُلِّيَّةِ ، وَإِمَّا بِجَحْدِ مَعَانِيهَا وَتَعْطِيلِهَا ، وَإِمَّا بِتَحْرِيفِهَا عَنِ الصَّوَابِ وَإِخْرَاجِهَا عَنِ الْحَقِّ بِالتَّأْوِيلَاتِ الْفَاسِدَةِ ، وَإِمَّا بِجَعْلِهَا أَسْمَاءً لِبَعْضِ الْمُبْتَدَعَاتِ ، كَإِلْحَادِ أَهْلِ الِاتِّحَادِ .
<
<
وَخُلَاصَةُ مَا تَقَدَّمَ : أَنَّ السَّلَفَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يُؤْمِنُونَ بِكُلِّ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ فِي كِتَابِهِ ، وَبِكُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْهُ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيمَانًا سَالِمًا مِنَ التَّحْرِيفِ وَالتَّعْطِيلِ ، وَمِنَ التَّكْيِيفِ وَالتَّمْثِيلِ ، وَيَجْعَلُونَ الْكَلَامَ فِي ذَاتِ الْبَارِي وَصِفَاتِهِ بَابًا وَاحِدًا ؛ فَإِنَّ الكَلَامَ فِي الصِّفَاتِ فَرْعُ الْكَلَامِ فِي الذَّاتِ ، يُحْتَذَى فِيهِ حَذْوُهُ ، فَإِذَا كَانَ إِثْبَاتُ الذَّاتِ إِثْبَاتَ وُجُودٍ لَا إِثْبَاتَ تَكْيِيفٍ ؛ فَكَذَلِكَ إِثْبَاتُ الصِّفَاتِ .
<

< وَقَدْ يُعَبِّرُونَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ : ( تُمَرُّ كَمَا جَاءَتْ بِلَا تَأْوِيلٍ ) ، وَمَنْ لَمْ يَفْهَمْ كَلَامَهُمْ ظَنَّ أَنَّ غَرَضَهُمْ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ هُوَ قِرَاءَةُ اللَّفْظِ دُونَ التَّعَرُّضِ لِلْمَعْنَى ، وَهُوَ بَاطِلٌ ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالتَّأْوِيلِ الْمَنْفِيِّ هُنَا هُوَ حَقِيقَةُ الْمَعْنَى وَكُنْهُهُ وَكَيْفِيَّتُهُ ... قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ : ( لَا يُوصَفُ اللَّهُ إِلَّا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ ، أَوْ وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ ، لَا يُتَجَاوَزُ الْقُرْآنُ وَالْحَدِيثُ ) .

وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ( شَيْخُ الْبُخَارِيِّ ) : ( مَنْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ كَفَرَ ، وَمَنْ جَحَدَ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ كَفَرَ ، وَلَيْسَ فِيمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ أَوْ وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ تَشْبِيهٌ وَلَا تَمْثِيلٌ .

( لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا سَمِيَّ لَهُ ، وَلَا كُفْءَ لَهُ ، وَلَا نِدَّ لَهُ) .

قَوْلُهُ : ( لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا سَمِيَّ لَهُ . . إلخ ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ إِخْبَارًا عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ : ( لَا يُكَيِّفُونَ وَلَا يُمَثِّلُونَ ) .

لَا سَمِيَّ لَهُ:

< وَمَعْنَى : ( لَا سَمِيَّ لَهُ ) أَيْ : لَا نَظِيرَ لَهُ يَسْتَحِقُّ مِثْلَ اسْمِهِ ، أَوْ لَا مُسَامِيَ لَهُ يُسَامِيهِ ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى نَفْيِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ مَرْيَمَ : { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } فَإِنَّ الِاسْتِفْهَامَ هُنَا إِنْكَارِيٌّ ، مَعْنَاهُ النَّفْيُ .

وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ نَفْيِ السَّمِيِّ أَنَّ غَيْرَهُ لَا يُسَمَّى بِمِثْلِ أَسْمَائِهِ ، فَإِنَّ هُنَاكَ أَسْمَاءً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ ، وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ إِذَا سُمِّيَ اللَّهُ بِهَا كَانَ مَعْنَاهَا مُخْتَصًّا بِهِ لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ ، فَإِنَّ الِاشْتِرَاكَ إِنَّمَا هُوَ فِي مَفْهُومِ الِاسْمِ الْكُلِّيِّ ، وَهَذَا لَا وُجُودَ لَهُ إِلَّا فِي الذِّهْنِ ، وَأَمَّا فِي الْخَارِجِ فَلَا يَكُونُ الْمَعْنَى إِلَّا جُزْئِيًّا مُخْتَصًّا ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ مَا يُضَافُ إِلَيْهِ ، فَإِنْ أُضِيفَ إِلَى الرَّبِّ كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ الْعَبْدُ ، وَإِنْ أُضِيفَ إِلَى الْعَبْدِ كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ الرَّبُّ .

وَأَمَّا الْكُفْءُ فَهُوَ الْمُكَافِئُ الْمُسَاوِي ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى نَفْيِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } .

وَأَمَّا النِّدُّ فَمَعْنَاهُ الْمُسَاوِي الْمُنَاوِئُ ، قَالَ تَعَالَى : { فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } .

لَا يُقَاسُ الله بِخَلْقِهِ:

وَلَا يُقَاسُ بِخَلْقِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .

وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( لَا يُقَاسُ بِخَلْقِهِ ) فَالْمَقْصُودُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ شَيْءٍ مِنَ الْأَقْيِسَةِ الَّتِي تَقْتَضِي الْمُمَاثَلَةَ وَالْمُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ فِي الشُّئُونِ الْإِلَهِيَّةِ  

وَذَلِكَ مِثْلُ قِيَاسِ التَّمْثِيلِ الَّذِي يُعَرِّفُهُ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ بِأَنَّهُ إِلْحَاقُ فَرْعٍ بِأَصْلٍ فِي حُكْمِ الْجَامِعِ ، كَإِلْحَاقِ النَّبِيذِ بِالْخَمْرِ فِي الْحُرْمَةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي عِلَّةِ الْحُكْمِ ، وَهِيَ الْإِسْكَارُ .

فَقِيَاسُ التَّمْثِيلِ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُودِ مُمَاثَلَةٍ بَيْنَ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَجُوزُ أَنْ يُمَثَّلَ بِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ .

وَمِثْلُ قِيَاسِ الشُّمُولِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ الْمَنَاطِقَةِ بِأَنَّهُ الِاسْتِدْلَالُ بِكُلِّيٍّ عَلَى جُزْئِيٍّ بِوَاسِطَةِ انْدِرَاجِ ذَلِكَ الْجُزْئِيِّ مَعَ غَيْرِهِ تَحْتَ هَذَا الْكُلِّيِّ .

فَهَذَا الْقِيَاسُ مَبْنِيٌّ عَلَى اسْتِوَاءِ الْأَفْرَادِ الْمُنْدَرِجَةِ تَحْتَ هَذَا الْكُلِّيِّ ، وَلِذَلِكَ يُحْكَمُ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا بِمَا حُكِمَ بِهِ عَلَيْهِ  

وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبَيْنَ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ

وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى قِيَاسُ الْأَوْلَى ، وَمَضْمُونُهُ أَنَّ كُلَّ كَمَالٍ ثَبَتَ لِلْمَخْلُوقِ وَأَمْكَنَ أَنْ يَتَّصِفَ بِهِ الْخَالِقُ ؛ فَالْخَالِقُ أَوْلَى بِهِ مِنَ الْمَخْلُوقِ ، وَكُلَّ نَقْصٍ تَنَزَّهَ عَنْهُ الْمَخْلُوقُ ؛ فَالْخَالِقُ أَحَقُّ بِالتَّنَزُّهِ عَنْهُ .

وَكَذَلِكَ قَاعِدَةُ الْكَمَالِ الَّتِي تَقُولُ : إِنَّهُ إِذَا قَدَرَ اثْنَانِ : أَحَدُهُمَا مَوْصُوفٌ بِصِفَةِ كَمَالٍ ، وَالْآخَرُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّصِفَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ ؛ كَانَ الْأَوَّلُ أَكْمَلَ مِنَ الثَّانِي ، فَيَجَبُ إِثْبَاتُ مِثْلِ تِلْكَ الصِّفَةِ لِلَّهِ مَا دَامَ وُجُودُهَا كَمَالًا وَعَدَمُهَا نَقْصًا .

( فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ ، وَأَصْدَقُ قِيلًا ، وَأَحْسَنُ حَدِيثًا مِنْ خَلْقِهِ ، ثُمَّ رُسُلُهُ صَادِقُونَ مُصَدَّقُونَ بِخِلَافِ الَّذِينَ يَقُولُونَ عَلَيْهِ مَا لَا يَعْلَمُونَ .

< وهذا تَعْلِيلٌ لِصِحَّةِ مَذْهَبِ السَّلَفِ فِي الْإِيمَانِ بِجَمِيعِ الصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ؛ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمَ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ ، وَكَانَ أَصْدَقَ قَوْلًا وَأَحْسَنَ حَدِيثًا ، وَكَانَ رُسُلُهُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَادِقِينَ فِي كُلِّ مَا يُخْبِرُونَ بِهِ عَنْهُ ، مَعْصُومِينَ مِنَ الْكَذِبِ عَلَيْهِ وَالْإِخْبَارِ عَنْهُ بِمَا يُخَالِفُ الْوَاقِعَ ؛ وَجَبَ التَّعْوِيلُ إِذًا فِي بَابِ الصِّفَاتِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا عَلَى مَا قَالَهُ اللَّهُ وَقَالَهُ رَسُولُهُ الَّذِي هُوَ أَعْلَمُ خَلْقِهِ بِهِ ، وَأَنْ لَا يُتْرَكَ ذَلِكَ إِلَى قَوْلِ مَنْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَيَقُولُونَ عَلَيْهِ مَا لَا يَعْلَمُونَ .

وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْكَلَامَ إِنَّمَا تَقْصُرُ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَعَانِي الْمُرَادَةِ مِنْهُ لِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَسْبَابٍ : إِمَّا لِجَهْلِ الْمُتَكَلِّمِ وَعَدَمِ عِلْمِهِ بِمَا يَتَكَلَّمُ بِهِ ، وَإِمَّا لِعَدَمِ فَصَاحَتِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى الْبَيَانِ ، وَإِمَّا لَكَذِبِهِ وَغِشِّهِ وَتَدْلِيسِهِ ، وَنُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بَرِيئَةٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، فَكَلَامُ اللَّهِ وَكَلَامُ رَسُولِهِ فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ وَالْبَيَانِ ؛ كَمَا أَنَّهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي الصِّدْقِ وَالْمُطَابَقَةِ لِلْوَاقِعِ ؛ لِصُدُورِهِ عَنْ كَمَالِ الْعِلْمِ بِالنِّسَبِ الْخَارِجِيَّةِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ صَادِرٌ عَنْ تَمَامِ النُّصْحِ ، وَالشَّفَقَةِ ، وَالْحِرْصِ عَلَى هِدَايَةِ الْخَلْقِ وَإِرْشَادِهِمْ .

فَقَدِ اجْتَمَعَتْ لَهُ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي هِيَ عَنَاصِرُ الدَّلَالَةِ وَالْإِفْهَامِ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ .

فَالرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ الْخَلْقِ بِمَا يُرِيدُ إِخْبَارَهُمْ بِهِ ، وَهُوَ أَقْدَرُهُمْ عَلَى بَيَانِ ذَلِكَ وَالْإِفْصَاحِ عَنْهُ ، وَهُوَ أَحْرَصُهُمْ عَلَى هِدَايَةِ الْخَلْقِ ، وَأَشَدُّهُمْ إِرَادَةً لِذَلِكَ ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ فِي كَلَامِهِ شَيْءٌ مِنَ النَّقْصِ وَالْقُصُورِ ؛ بِخِلَافِ كَلَامِ غَيْرِهِ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ نَقْصٍ فِي أَحَدِ هَذِهِ الْأُمُورِ أَوْ جَمِيعِهَا ، فلَا يَصِحُّ أَنْ يُعْدَلَ بِكَلَامِهِ كَلَامُ غَيْرِهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُعْدَلَ عَنْهُ إِلَى كَلَامِ غَيْرِهِ ؛ فَإِنَّ هَذَا هُوَ غَايَةُ الضَّلَالِ ، وَمُنْتَهَى الْخِذْلَانِ .

( وَلِهَذَا قَالَ : { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ }{ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ }{ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } ، فَسَبَّحَ نَفْسَهُ عَمَّا وَصَفَهُ بِهِ الْمُخَالِفُونَ لِلرُّسُلِ ، وَسَلَّمَ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ؛ لِسَلَامَةِ مَا قَالُوهُ مِنَ النَّقْصِ وَالْعَيْبِ .

< تَعْلِيلٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ كَلَامِ اللَّهِ وَكَلَامِ رَسُولِهِ أَكْمَلَ صِدْقًا ، وَأَتَمَّ بَيَانًا وَنُصْحًا ، وَأَبْعَدَ عَنِ الْعُيُوبِ وَالْآفَاتِ مِنْ كَلَامِ كُلِّ أَحَدٍ .

وَ ( سُبْحَانَ ) اسْمُ مَصْدَرٍ مِنَ التَّسْبِيحِ ، الَّذِي هُوَ التَّنْزِيهُ وَالْإِبْعَادُ عَنِ السُّوءِ ، وَأَصْلُهُ مِنَ السَّبْحِ ، الَّذِي هُوَ السُّرْعَةُ وَالِانْطِلَاقُ وَالْإِبْعَادُ ، وَمِنْهُ فَرَسٌ سَبُوحٌ ؛ إِذَا كَانَتْ شَدِيدَةَ الْعَدْوِ .

وَإِضَافَةُ الرَّبِّ إِلَى الْعِزَّةِ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ ، وَهُوَ بَدَلٌ مِنَ الرَّبِّ قَبْلَهُ .

< فَهُوَ سُبْحَانَهُ يُنَزِّهُ نَفْسَهُ عَمَّا يَنْسُبُهُ إِلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ مِنَ اتِّخَاذِ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ ، وَعَنْ كُلِّ نَقْصٍ وَعَيْبٍ ، ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى رُسُلِهِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ كَمَا يَجِبُ تَنْزِيهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِبْعَادُهُ عَنْ كُلِّ شَائِبَةِ نَقْصٍ وَعَيْبٍ ، فَيَجِبُ اعْتِقَادُ سَلَامَةِ الرُّسُلِ فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ كَذَلِكَ ، فَلَا يَكْذِبُونَ عَلَى اللَّهِ ، وَلَا يُشْرِكُونَ بِهِ ، وَلَا يَغُشُّونَ أُمَمَهُمْ ، وَلَا يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ .

( وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) ثَنَاءٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا لَهُ مِنْ نُعُوتِ الْكَمَالِ ، وَأَوْصَافِ الْجَلَالِ ، وَحَمِيدِ الْفِعَالِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَعْنَى الْحَمْدِ ، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ .

النفى والاثبات فى الصفات:

( وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَدْ جَمَعَ فِيمَا وَصَفَ وَسَمَّى بِهِ نَفْسَهُ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ لَمَّا بَيَّنَ فِيمَا سَبَقَ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يَصِفُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ ، وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كُلُّهُ إِثْبَاتًا وَلَا كُلُّهُ نَفْيًا ؛  

وَاعْلَمْ أَنَّ كُلًّا مِنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ مُجْمَلٌ وَمُفَصَّلٌ .

أَمَّا الْإِجْمَالُ فِي النَّفْيِ ؛ فَهُوَ أَنْ يُنْفَى عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كُلُّ مَا يُضَادُّ كَمَالَهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْعُيُوبِ وَالنَّقَائِصِ ، مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } ، { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } ، { سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } .

وَأَمَّا التَّفْصِيلُ فِي النَّفْيِ ؛ فَهُوَ أَنْ يُنَزَّهَ اللَّهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْعُيُوبِ وَالنَّقَائِصِ بِخُصُوصِهِ ، فَيُنَزَّهُ عَنِ الْوَالِدِ ، وَالْوَلَدِ ، وَالشَّرِيكِ ، وَالصَّاحِبَةِ ، وَالنِّدِّ ، وَالضِّدِّ ، وَالْجَهْلِ ، وَالْعَجْزِ ، وَالضَّلَالِ ، وَالنِّسْيَانِ ، وَالسِّنَةِ ، وَالنَّوْمِ ، وَالْعَبَثِ ، وَالْبَاطِلِ . . إِلَخْ .

وَلَكِنْ لَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ نَفْيٌ مَحْضٌ ؛ فَإِنَّ النَّفْيَ الصِّرْفَ لَا مَدْحَ فِيهِ ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِكُلِّ نَفْيٍ فِيهِمَا إِثْبَاتُ مَا يُضَادُّهُ مِنَ الْكَمَالِ : فَنَفْيُ الشَّرِيكِ وَالنِّدِّ ؛ لِإِثْبَاتِ كَمَالِ عَظَمَتِهِ وَتَفَرُّدِهِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ ، وَنَفْيُ الْعَجْزِ ؛ لِإِثْبَاتِ كَمَالِ قُدْرَتِهِ ، وَنَفْيُ الْجَهْلِ ؛ لِإِثْبَاتِ سَعَةِ عِلْمِهِ وَإِحَاطَتِهِ ، وَنَفْيُ الظُّلْمِ ؛ لِإِثْبَاتِ كَمَالِ عَدْلِهِ ، وَنَفْيُ الْعَبَثِ ؛ لِإِثْبَاتِ كَمَالِ حِكْمَتِهِ ، وَنَفْيُ السِّنَةِ وَالنَّوْمِ وَالْمَوْتِ ؛ لِإِثْبَاتِ كَمَالِ حَيَاتِهِ وَقَيُّومِيَّتِهِ . . وَهَكَذَا .

وَلِهَذَا كَانَ النَّفْيُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إِنَّمَا يَأْتِي مُجْمَلًا فِي أَكْثَرِ أَحْوَالِهِ ؛ بِخِلَافِ الْإِثْبَاتِ ؛ فَإِنَّ التَّفْصِيلَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنَ الْإِجْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ لِذَاتِهِ https://kotokoli.blogspot.com/2018/12/kotokoli-alphawa-in-whole-world.html?m=1.

هذاهوالإسلام





Comments

Popular posts from this blog

فضل القارئ القرآن الكريم

الحمدلله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبته الكرام . وبعد  فضل القارئ القرآن هي من معلومات التي تنتشر من موقع هذاهوالإسلام فإن تعلم القرآن وتعليمه له فضل عظيم عند الله فقد جاء ذلك في بعض الأحاديث رسول الله صلى الله عليه والسلام عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه والسلم : خيركم من تعلم القرآن وعلمه. رواه البخاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قالقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير من تعلم القرآن وعلمه.رواه الترمذي.0 عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال، خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن فب الصفة ، فقال : أيكم يحب أن يغد وكل يوم إلى بطحان أو العقيق فيأتي بناقتين كوماوين في غير أثم ولا قطع رحم ؟قلنا يارسول الله كلنا نحب ذلك. قال: أفلا يغدو إلى المسجد فيتعلم فيه أو يعي آيتين من كتاب الله خير من ناقتين وثلاث خير من ثلاث وأربع خير من أربع ومن أعدادهن من الإبل. رواه مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ي

ስሞች እና ባህሪያት standardization ትርጉም

ስሞች እና ባህሪያት standardization ትርጉም https://kotokoli.blogspot.com/2018/12/kotokoli-alphawa-in-whole-world.html?m=1                        ስሞች እና ባህሪያት standardization ትርጉም በመጀመሪያ, የራሱ ትርጉም: ስሞች እና ባህሪዎች Standardization: ይህ ራሱ አምላክ መሆኑን አስመስክሯል ምን ማረጋገጫ, እና የእሱ መልእክተኛ ሰላም በእሱ ላይ ይሁን; እግዚአብሔርም እርሱ ራሱ ካደ: ካደ ነገር መካድ እንዳለው ነው የእርሱ መልእክተኛ ሰላም ስሞች እና ባህሪዎች እና መሥራታቸውን በእርሱ ላይ ይሁን እግዚአብሔር ሁሉን ቻይ ትክክል Bmaaneha እና ትርጉም እና አነፍናፊ ውጤቶች እንዲሁም ፍጥረት ውስጥ መስፈርቶችን. ሁለተኛ, አቀራረብ ለማረጋገጥ: መልክተኛውን በ አምላክ ራሱ እንደተገለጸው እንደተገለፀው ጽኑ ሙሉ እምነት እና የፀደቀበት ላይ ስም እና ባህሪያት ደጃፍ ሥርዓተ መብት, ሰላም ማዛባቱን ወይም ሊሰናከል ያለ በእሱ ላይ ይሁን, እና ማቀዝቀዣ ውክልና አይደለም. ማዛባቱን: ለውጡ ነው ፊቱን ስለ ነገር ያዘንብሉት.  እሱም ሁለት ዓይነት ነው; 1 - የቃል መካከል ማዛባቱን.  {አልረሕማንን በዐርሹ ላይ} (Taha:: 5) ይዘው ወደ መሬት ወይም ቃል Kthariv ቁጥር ውስጥ ለማብሰል ቃል እንቅስቃሴ ውስጥ መቀነስ ወይም ለውጥ ውስጥ ይህ ጭማሪ.  የእሱ ከውሂብ አለ: N. አይሁድ እና በ L Jahmi ናቸው ...                        የዙፋኑ Zaidtan ጌታ ውስጥ በመንፈስ መሪነት 2 - የሥነ ምግባር ብልሹ.  ይህ በኃይል ወይም በጸጋ አምላክ ወደ "እጅ" ትርጓሜውም

Pengorbanan dalam Islam

Pengorbanan dalam Islam Pengorbanan dalam Islam Segala puji bagi Allah, yang mengorbankan kita pengorbanan, dan semoga damai dan berkah besertanya atas kita, penguasa yang pertama dan yang lain, tuan kita, Nabi kita, dan Mawlana Muhammad bin Abdullah, semoga Allah memberkati dia dan keluarga dan teman-temannya secara keseluruhan.  Dan setelah informasi agama dari situs web Islam ini Pengorbanan Definisi kata pengorbanan: pengorbanan adalah korban, nama untuk apa yang disembelih dari unta, sapi, dan domba pada hari penyembelihan, dan hari-hari Tashreeq mendekati Allah SWT. Ini legitimasinya: Dan Allah telah memberlakukan pengorbanan dengan mengatakan, Mahasuci Dia: Kami telah memberi Anda al-Kawthar, pisahkan Tuhanmu dan bunuh diri. Dan perkataannya: Dan tubuh menjadikannya baik bagi Anda dari ritual Allah untuk Anda.  Ayat dalam Surat Al-Hajj (36) dan pengorbanan di sini adalah pembantaian udhiyah.  Dan terbukti bahwa Nabi, semoga Allah memberkati